• خالـد محمـد بورسـلي
شارك

خالد محمد مبارك محمد بورسلي 1925 ــ 1999
حديث الذكريات
تاريخ الأوطان محفور في صدور أبنائها بحروف من نور تضئ الطريق أمام الأجيال المقبلة ، أن رواية شاهد عيان لما كان يجري على تراب هذا الوطن لا تقل أهمية عن شهادة يدلي بها مؤرخ ورع وأمين يستمد معطياته التاريخية من روايات هؤلاء المعاصرين .
أن الحياة بكل أنماطها الاجتماعية والسياسية وبجميع مفرداتها ما بين معاني الفرح وطقوسه و ألام الحزن وكيفية التعبير عنها وكذلك التخفيف منها … كل ذلك يرسم بصورة دقيقة عن حياة الأولين من الرعيل الأول الذين أسهموا في وضع اللبنات الأولى لصرح هذا المجتمع الذي نعيشه الآن .
ولما كانت الحروف هي الوحدة البنائية للكلمة … والكلمة هي الوحدة البنائية للجملة التي تتشكل منها التراكيب اللغوية التي نستخدمها في حياتنا اليومية ، لما كان ذلك كذلك ، فأننا نحاول أن نرسم من مشاهدات من تستضيفهم هذه الصفحة لوحة فنية بالألوان الطبيعية لحياتنا القديمة من دون رتوش ودون إملاء أو تحيز اللهم إلا ثقافة الضيف ومركزه الاجتماعي وحجم مشاركته في مجتمعه . أننا نرحب على هذه الصفحة بسائر الشخصيات التي عاصرت نهضة الكويت وانطلاقتها نحو الحداثة والمعاصرة وربط ذلك بأصالة الماضي وعراقته.
ولتكن هذه الصفحة – عزيزي القارئ – مرآة صادقة للكويت وقديمها الذي قد لا يعرفه الكثيرون من الأجيال المعاصرة .
كتب منصور الهاجرى :
ينتمي خالد محمد مبارك بورسلي إلى عائلة كبيرة وكريمة من (بني خالد) فيما كان يعمل رجال العائلة (نواخذة) على سفن الغوص ، إلا أن خالد محمد بورسلي أثر الابتعاد عن مهنة البحر فعمل في مجال البيع والشراء منذ شبابه .
بدأ خالد محمد بورسلي في بيع الفواكه والخضروات في الفريج بالقرب من بيت والده ثم تعلم قيادة السيارة فأشتغل سائقا لدى المرحوم الشيخ مبارك الحمد لفترة طويلة ثم عمل لدى المرحوم الشيخ عبدالله الأحمد .
وتحدث خالد محمد بورسلي عن حكاية “الفلقة” عندما ضربه سيد عمر عاصم في المدرسة المباركية والمواقف التي تعرض لها عندما كان يتاجر بالذهب والمواد الغذائية . لماذا سافر إلى البصرة أثناء الحرب العظمى ؟ وكيف كانت الحياة العامة في كويت الماضي ؟
ماذا قال عن المرأة وعن الشباب من الجيل الحالي ؟ هذا ما يكشفه في حديث الزكريات في بداية كلامه تحدث خالد محمد بورسلي عن ولادته قائــلا :
مكان الميلاد :
ولدت في الكويت بمنطقة الشرق (فريج بورسلي) وعائلة بورسلي من العائلات الكويتية الكبيرة التي استوطنت الكويت منذ القدم ، ولما قدمت عائلة الصباح إلى الكويت كانت عائلة البورسلي تقطن الكويت ولها مواقع على أرضها مثل (ثميلة بورسلي) وقصير بورسلي وخصوصا في بر بورسلي ونحن من (الخوالد) ولكنهم تأكلوا وتداخلت معهم بعض القبائل ، وأول مكان بنو بيوتهم فيه بالشرق (فريج الشملان حاليا ) ، ولكن بعض النواخة استولوا على بيوتهم إلى أن كونوا أنفسهم ، ونقعة بورسلي موجودة فى الشرق وبعض رجال العائلة كانوا (نواخذة غوص) وسفر ويملكون السفن الخشبية الكبيرة ، ولهم مواقف طيبة تجاه بلدهم وتركوا البحر وباعوا سفنهم مع ظهور النفط واتجاه البحارة للعمل في الحكومة.
التعليــم :
أول مدرسة تعلمت فيها في ذلك الوقت مدرسة ملا عبدالله وبعد ذلك انتقلت إلى مدرسة ملا عيسى مطر في براحة الماص ، وبعد سنة انتقلت إلى مدرسة (سيد أبو دقوع) وفى تلك المدارس تعلمت القراءة والكتابة وحفظت القرآن الكريم ، وبعد حفل الزفة الذي يقام بعد ختم القرآن ، انتقلت إلى المدرسة المباركية وكان المرحوم عبدالرحمن الدعيج يشرف على التعليم التمهيدي في (المباركية) وبعد تلك المرحلة تبدأ مرحلة التعليم الابتدائي ثلاثة فصول ويدرس فيها المرحوم سالم الحسينان وعبدالله العمر ، وبعدها ثلاثة فصول ويدرس فيها عبدالعزيز الفارس و عبدالرحمن إسماعيل وملا عثمان العثمان وسيد عمر عاصم .
أول تعليمي كان في المباركية ، حيث دخلت المرحلة التي درسني فيها عبدالعزيز الفارس ، بعد ذلك انتقلت للمرحلة التي تليها وملا عثمان درسنا الدين ، وأذكر أنه في أحدى السنوات تغيبت أيام الربيع لكنني عوقبت من قبل سيد عمر عاصم (بالفلقة) وأذكر أن عبدالرحمن الدعيج وأبن سيار مسكوا (الفلقة) وضربني سيد عمر بالعصا على (القدمين).
من الذين كانوا يدرسون في الفصل ذاته بدر السالم وصالح شهاب وهو أخر صف درست فيه وبعدها تركت المباركية وإلتحقت بمدرسة عبدالرحمن الدعيج التي افتتحها بعد ما ترك المباركية وكذلك درست في مدرسة سيد هاشم البدر وموقع المدرسة مقابل الصفاة ودرست اللغة الإنجليزية عنده .
كان بعض الطلبة يدرسون (الإنجليزية) أيضا بمدرسة إسرائيل الواقعة بالقرب من السوق الداخلي .
وبعد ذلك تركت الدراسة ، ومن الأعمال التي زاولتها كنت أبيع (الزلابيه) و(الغريبة) أيام شهر رمضان ، أما في الصيف فقد كنت أبيع العنب والرطب والتفاح الصغير ، وأذكر جدي إشترى مني (الركين) واحد عنب والثاني (رك) الرطب و(الرك) يصنع من جريد النخل على شكل هرم مقلوب ، وتوضع فيه الفواكه وفيه فتحات ، وفى أيام الربيع كنت أبيع الفقع و(الطراثيت ) وهو نبات فطري و(الأقط) .
هذا العمل كان في بداية عملي بالتجارة ، ذهبت إلى بلدية الكويت وموقعها في ساحة الصرافين بالقرب من السوق الداخلي والبلدية عبارة عن مبني صغير يسمى (الكشك) ، وكنت أنوي استخرج ترخيص لمزاولة البيع والشراء إلا أنه في الطريق قابلني جماعة من البحارة الذين كانوا يعملون عند سلطان بورسلى وعرضوا علي معهم بالسيارات فعرضت الموضوع على عمي سلطان فوافق للعمل معهم فاشتغلت (معاونا ) على السيارات ، وكنت أعمل مع خالد المالك الذي كان يعمل على نقل الخضار من الفحيحيل والقصور الى الكويت . درب واحد ينزل من القصور صباحا ويعود في المساء وكنا أيضا ننقل ركابا الى الكويت فكنت أعمل معه ثم تعلمت قيادة السيارة وكنت أحرك السيارات من مكان لآخر ، وتقدمت الى البلدية بطلب الحصول على إجازة وهى عبارة عن بطاقة ولها رقم ويسمح بها بقيادة السيارة وبعدما حزت على (الإجازة) وأول عمل لي كسائق اشتغلت في قصر نايف عند المرحوم الشيخ عبدالله الأحمد الصباح وعملي سائق بالوانيت وفيه رشاش وأذهب معه عندما يزور بعض الكويتيين ، وأذكر عندما كنت عند الشيخ عبدالله الأحمد حصلت حادثة وكنت السائق وعلى المسعد مسئولا عن الرشاش ومعه عبدالكريم ، حيث كان مجموعة من الشرطة العراقية المسلحة كسروا وأوقعوا اللوحة الموجودة بين الحدود الكويتية والعراقية وكان مكتوبا على الوجهين لها من جهة الكويت الحدود الكويتية والجهة المقابلة للعراق الحدود العراقية ، المهم ذهبنا ومعنا بالوانيت ثمانية عشر مسلحا وسيارة أخرى فيها عبدالله المسعود وخليفة بن بحوه ولوحة كبيرة واسمنت وماء والمرحوم الشيخ على الخليفة في سيارته التي يقودها سائقه الخاص واسمه على الأصمخ ، وفى المكان القديم نفسه وضعنا اللوحة الجديدة لتحديد حدود دولة الكويت فخرجت علينا السيارات العراقية المسلحة ووقفوا أمامنا وحولوا اتجاه رشاشاتهم ونزل من سيارتهم ثلاثة رجال (معاونيه) وتوجهوا إلينا سيرا على الأقدام ، وقابلوا المرحوم الشيخ على الخليفة ودعوه على الغداء ، إما رجالنا فانتشروا في البر ومعنا أسلحتنا وأعطوني بندقية (أم إحدى عشر) ، وفى ذلك الوقت لا يوجد طريق معبد ، وضعنا اللوحة وثبتناها بالأسمنت وبعد صلاة المغرب عدنا إلى الكويت .
وبعد يومين بلغونا بأن العراقيين كسروا اللوحة والقوها بالأرض فصارت مفاوضات مع العراق وخرجنا ومعنا المعتمد البريطاني ، وكنا جاهزين ومعنا قوة عسكرية وبعد الظهر حضر عندنا المرحوم الشيخ عبدالله المبارك وقد أرسل لنا قوة إضافية ومؤنا ووضعنا اللوحة في مكانها وانتظرنا حتى بعد المغرب وعدنا الى الكويت إلا أن العراقيين عادوا وكسروا اللوحة فبقيت معلقة على جهة واحدة وفى المكان قبل (صفوان) بقليل كان ذلك في عهد عبدا لإله الوصي على عرش العراق هذه نوايا الحكم في العراق منذ عهد بعيد ضد الكويت والكويتيين ولا يزالون يضمرون الشر والعدوان على دولة الكويت . أبلغت الشيخ عبدالله الأحمد بأنني مقبل على الزواج ولا أستطيع الاستمرار بالعمل فوافق واشتغلت عند الشيخ مبارك الحمد وفى غالبية الأوقات كنا نذهب إلى القنص لصيد الحبارى ومعنا محمد العزب وسيف بن حصين وفلاح العازمي وهم (صقارة) ونذهب إلى ساحة أم الرجم بالقرب من السالمي أو منطقة فليج الشمالي عند (الحفر) وهناك نضرب المخيم ، وكنا نصطاد الظباء الجميلة يوميا بحدود (خمسين ) وكذلك الحبارى و معنا صقور قوية وشديدة ، وكلما أخذنا أربعة أيام أرسلني الشيخ مبارك الحمد إلى الكويت والسيارة محملة بالطيور والظباء أوزعها على العائلات واستمررت بالقنص وأذكر أن الماء تجمد عندنا من شدة البرد .
توجهت إلى البصرة للعمل مع سعدون اليعقوب ويوسف اليعقوب وهم من ملاك النخيل وفى ذلك الوقت أيام الحرب العظمى الثانية كان بعض الناس يعملون بالتجارة اشتغلت سائقا وكنت أنقل بعض المواد التجارية إلى البصرة ومنها إلى الكويت أنقل الخضروات والفواكه .
وعمـلت على الطريق من الكويت إلى البصرة وتحمل السيارة أرقاما ( لوحات) وكنت أكتب الأرقام بالطباشير على أبواب السيارة ونوع السيارة (هلمن ) صناعتها انجليزية ولا يوجد طرق معبدة وإنما طرق صحراوية ونمر على الروضتين و(شعيب الأباطح ) و(اكراع المرو) ثم المطلاع .
أحتاج الأمر للسفر إلى الرياض وأخذنا معنا عبدالرحمن الجاسر كدليل للطريق ومعنا أيضا يوسف ابوالحسن ويوسف اليعقوب وبعد وصولنا إلى الرياض قام المرحوم يوسف اليعقوب بمقابلة سمو الأمير منصور ال سعود وذلك للتعزية بوفاة أحد أفراد العائلة ، وأعطانا الأمير هدية لكل واحد (بشتا وذبونا وغترة) وهذا شئ طبيعي .
بعد العودة من الرياض تركت العمل عند عائلة اليعقوب واشتغلت في البلدية مع بداية تعيين عبدالله العثمان مديرا للبلدية وعينت سائقا عند المدير ، وفى البلدية سيارة واحدة وسيارة (تنكر) للرش أيام الصيف ، وفى الشتاء تتحول سيارة للنقل فلا يوجد غيرها حتى أن العربات التي تجرها الحمير لنقل القمامة لها خشب فاستخرجت لهم وعملت قاعدة جديدة بواسطة (السبرنج) ، هذه خبرة من عملي بالسيارات ، أما عملي فكنت أذهب مع المدير لتخطيط الأراضي في حولي و الفروانية والدمنة(السالمية) ولكل مئة ذراع (قسيمة) .
أذكر إن البلدية لها مجلس يرأسه المغفور له الشيخ احمد الجابر أمير الكويت الراحل ومن أعضائه عبدالرحمن البحر واحمد البحر وبن سدحان و عبدالحميد الصانع ، وكنت أقوم بإيصال الرسائل للأعضاء لعقد الاجتماع ، وأمين الصندوق خالد جعفر أما الموظفون فهم جاسم السميط وجاسم الفياض وإبراهيم الفوزان ومسئول عن العربات عبدالرحمن العياف ، والمزارع محمد الرامزي .
وبعد ثلاث سنوات خدمة في البلدية تركت العمل واشتريت سيارة خاصة (موديل 1947) فورد وكانت السيارات تركب في جدة وتحضر إلى الكويت والسيارة التي اشتريتها أحضرها محمد الدويسان من جدة أثناء الحرب العالمية الثانية وسعرها ثلاثة عشر ألف روبية ولا أملك من هذا المبلغ روبية واحدة .
القصة أن صاحبي يوسف الحداد وهو صاحب (كراج في الدهلة ) وكنت أريد أن ادفع ثمانية ألاف روبية وخمسة ألاف روبية (أقساط) كل شهر ألف روبية ، فقال يوسف الحداد تذهب إلى (القضاع) وهو رجل يعطي (سلفا) و أنا الكفيل ومعروف بالسوق ، وفى الطريق قابلني المرحوم احمد المواش وسألني خالد (وين رايح) فقلت له القصة فقال : لا … لا تعـال معي لنذهب إلى السوق لندخل على المرحوم حمد المشاري ، فقال له : يا أبو عبدالعزيــز … خالد يريد أن يأخذ سلفا من (القضاع) فقال : لا ..لا : وذهبت مع المواش وحمد المشارى إلى الحاج يوسف الفليج فأخبروه بالموضوع فقال يا أحمد المواش اذهب إلى احمد البحر وأخذ منه المبلغ وأعطاه عيشا (رز) وباعه بالخارج وأرتفع سعره غير السعر الأصلي ثم أعطاني ثمانية ألاف روبية وبعد سنة سددت الديون وكتبت على نفسي سند قبض والشهود فهد النفيسى و عبدالرزاق المسعود واحمد الساير وصالح الفهد وهم أصحاب محلات لبيع قطع غيار السيارات وركبت متوجها إلى البيت وقابلني احمد الفودرى وعرض علي العمل بشركة نفط الكويت فورا … ذهبت معه وكان هناك شركة (اسبنس) تمول شركة النفط بالمواد الغذائية وتم تعييني (يوميا ستون روبية) وبدأت العمل معاهم وأصبحت اليومية مئة روبية وأدفع الأقساط المطلوبة علي وبعد شهرين أدفع لأحمد البحر المبلغ المطلوب وبعد سنة أعطاني الحاج يوسف الفليج خمسمائة روبية من أرباح الثمانية الآف المدفوعة للأقساط ، هذا دليل قاطع على النية الحسنة والخلق الكريم الذى يمتاز فيه الكويتيون …أمانة واخلاق كريمة .
باليت أن نشاهد ذلك وأتمنى أن يفعل المتعاملون كما كان الأباء والأجداد يتعاملون ، وبعد مضى سنتين عن العمل وذلك العام 1948 تقرر تصفية الشركة وإنهاء أعمالها من قبل شركة نفط الكويت إلا أن الشركة ضمت الخدمات الغذائية لها وخرجت من الشركة واشتريت سيارة أخرى نوع ” دزينو موديل 1948) من شركة الملا وبدأت أشتغل فيها قابلني فهد النفيسى وأبلغني عن عمل أقوم به وهو أن أذهب إلى مدينة الرياض فقال ، خذ معك هذين الرجلين واذهب إلى منطقة الحفر ، هناك شخصية تنتظرك وستركب معكم وتذهبون بها إلى مدينة الرياض ، فعلا هبنا إلى الحفر وقابلت أمير المنطقة وركب معنا ، أصبحنا أربعة وتوجهنا إلى فليج الشمالي ، وهناك يوجد مخيم كبير فيه عبدالله الفالح السعدون وهو الشخصية المعنية ، ركب معنا في السيارة وحراسة في سيارات نقل وتوجهنا إلى مدينة الرياض منذ الصباح وكان علينا عيد الأضحى والملك عبدالعزيز بن سعود موجود في مكة المكرمة .
أبلغني عبدالله الفالح السعدون أذا كنت أستطيع الذهاب إلى مكة فشركته ونزل بالقصر فيما عدت مع زملائي إلى الكويت وأكرمني بعطائه .
وأعطونا إكرامية سبعة جنيهات ذهبا وغترة شال وبشتا ونعالا لكل واحد ، وزهابا للطريق ، مواد غذائية .
دخلت فجرا إلى الكويت وبعد ذلك اشتريت أربع سيارات وعينت سواقين عليها يشتغلون تاكسي ، هم محمد العنيزى وصالح السبتي ويوسف صقر علي ومحمد النجدى وفى ذلك الوقت كان الكويتيون يتاجرون في الذهب من الكويت إلى الهند .
بعت جميع السيارات والأموال وبدأت أتاجر في الذهب وأسافر إلى الهند بالباخرة وأضع الذهب في قاعدة السطل (التب) أو داخل خشبة (المرقة) للخبز وكنت أبيع الذهب هناك واستورد من الهند ملابس (العباءة الكريب) والغتر والملافع للنساء .
عندما نجهز هذه البضاعة نتفق مع رئيس الباخرة على أن البضاعة نضعها عنده داخل غرفته وفى كيس واحد (الخيشة) ونعطيه مئة روبية حتى ينتهي التفتيش أيضا .
وأذكر من الذين يتاجرون بالذهب المرحوم سعود العصيمي وأبو حسن مع إبنه وداود البدر أما بالسفن الخشبية كنت أرسل الذهب مع بعض الأصدقاء ولكن التجارة فيها ربح وخسارة ، مثلا في أحدى السنوات قالوا أن السفينة احترقت وخسرنا ومسكوا بعض التجار .إلى هنا اختلفت الأمور وضعفت التجارة وشددوا في التفتيش .
العمل في وزارة الكهرباء:
بعد تجارة الذهب وما تكبدته من خسائر وما حصلت عليه من أرباح تركت العمل الحر واتجهت للعمل في الحكومة وأول وزارة عملت فيها هي الكهرباء ، تقدمت بطلب إلى الحاج مساعد البدر مدير الكهرباء ومنذ العام 1953 وحتى العام 1980 وأنا أشتغل بالكهرباء ، وأول وظيفة ، مساعد مدير العمل والعمال ، والمدير خالد العبدالجليل تسجيل العمال وبعد ذلك عينت مديرا لشئون الموظفين ثم مديرا للكراج ، بعد ذلك نقلت مديرا لمكتب الوزير ثم رئيس مكتب الكهرباء في منطقة الشرق ، ومن ثم شؤون المستهلكين وبعد ذلك تركت العمل نهائيا وكما ترى أجلس الآن في الديوان.
قديـم الكويت :
كانت العلاقات الاجتماعية والأسرية قديما في الكويت ممتازة وطيبة والنفوس صافية حلوة. بعضهم على بعض ولا توجد كراهية أو بغضاء ، لكن لكل قاعدة شواذ ولدى الناس شيمة ومروءة ومحبة وأمان ، والناس مخلصة لبعضها البعض وعلى سجيتهم والمرأة لا تركب بالسيارة بجانب زوجها وهو يقود السيارة لكن تجلس بالمقعد الخلفي ووجهها مغطى (بالبوشية) والناس تعرف بعضها البعض .
أقول أن الكويت قديما أحسن من هذا الوقت ومن جميع النواحي أيضا كنا ننام بالليل فوق السطوح والظهيرة بالعريش ونرش الماء على الأرض لكي تبرد وتنخفض درجة الحرارة و (اللاهوب) .
الشباب هذه الأيام عندهم (نعومة) و(تروفة) وبعض العائلات تصرف المال ببذخ وتشترى من دون معنى حتى السفر بالأقساط وكل المسألة تقليد للأخر .
حيــاة الوالـــد :
والدي محمد مبارك بورسلي ولد في الكويت وبدأ حياته بالأسفار والتجارة بالذهب بين الكويت والهند وكان يضع الذهب (بالزبيل) المصنوع من خوص النخل ، وبعد ذلك سافر إلى قطر وأستقر فيها ، وكان يعمل بالتجارة وبعد سنوات هاجر إلى البحرين واستقر فيها وافتتح محلا للمواد الغذائية وتطور عمله إلى أن أصبح له محلات عدة وكان يمول الكويتيين وبخاصة نواخذة الغوص ويزودهم بالسكر والعيش (الأرز) وأصبح بالمقدمة مع تجارة البحرين وبقى هناك لمدة خمسة عشر عاما يعمل بالتجارة ، وكنت أذهب عنده إلى البحرين ثم عدت إلى الكويت ومرة ثانية ذهبت عنده إلى البحرين وأخذني عنده ناصر العيسى وعثمان الجيران وتعهدا بإعادتي إلى الكويت وركبنا الباخرة وبقيت سنة بالبحرين ثم عدت إلى الكويت وبعد ذلك حصلت حوادث بالبحرين (أمور سياسية) وعندما رأى الوالد ذلك أغلق محلاته وعاد إلى الكويت وافتتح محلا بجوار الحاج يوسف الفليج ولكنه لم يوفق بالعمل لأنه أشترى كمية من السكر وخسر فيها بسبب هبوط الأسعار وأغلق محله نهائيا فتأثر نفسيا .
نفـط الكــويت :
بعدما خسر في تجارته توجه للعمل بشركة نفط الكويت وكان عمله مترجما لرئيس (المطافئ) في ذلك الوقت كنت أشتغل مع شركة المواد الغذائية التابعة لشركة نفط الكويت كما ذكرت فأخبرني أحد الأصدقاء بأن والدك يعمل بالشركة فتوجهت وسلمت عليه وأخبرته عن عملي وكان يسكن في بيوت الشركة مع أسطى عراقي ولكن بعد مدة قمت بزيارته إلا أنه لم يكن موجودا بسبب تركه العمل وافتتح له محلا بالشارع الجديد يستورد ويبيع (آسرة أطفال) وكذلك أشتغل في بيع وشراء الأراضي .
توسعت تجارته بالأثاث وتوجه إلى مصر للعمل هناك وشارك احد التجار المصريين ويشتغل ما بين مصر وإيطاليا في إستيراد (الإستوكات) وبقى حتى توفى هناك وأحضرته إلى الكويت ودفن هنا .. رحمه الله، في العام 1922، والدي تزوج أكثر من واحدة وقضى حياته بين التجارة والعمل ولم يدخل اليأس حياته إنما واصل عمله.
حياتي الاجتماعية:
تسألني عن حياتي وعن أولادي ، نعم أنا تزوجت مرتين الأولى كان عمري ثمانية عشر عاما ، وزوجتي بنت محمد المدارى والذي خطبتها الوالدة ، وكانت الزفة بالسيارات من البيت إلى بيت الزوجية بالقبلة ،وبقيت في بيت الزوجة لمدة أسبوع.
وهذه هي العادة المتبعة في ذلك الوقت بالنسبة للزواج (ليلة الزفاف) ، وفى الصباح تكون الزفة الثانية والثالثة والتحوال حيث تتحول العروس من بيت أهلها إلى بيت زوجها “والثوبلت” ، وهو زيارة أهل العروس إلى بيت الزوج لرؤية ابنتهم وتعميق أواصر النسب والقربى ، من الزوجة الأولى رزقني الله ببنت اسمها نورية ، متزوجة وعندها أولاد وتعمل موظفة ، والثانية متزوجة وتعمل موظفة ، ومساعد متقاعد ومتزوج ، وعدنان موظف متزوج وجامعي ، عادل موظف نائب مدير جامعي ومتزوج ، وطارق موظف ومتزوج ولديه أولاد .
أما الزواج من الثانية، فكان العام 1957، من سيدة عربية والأولاد ناصر مهندس متزوج، احمد طالب جامعي ـ حقوق، وثلاث بنات جامعيات متزوجات وعندهن أولاد وبنات.
وعلاقتي مع جميع أبنائي وبناتي علاقة الأب بالأبناء وهى علاقة طيبة وممتازة وجميعهم يزوروننا مع أولادهم ، وأكثر من ذلك إنهم موجودون في البيت في كل ليلة ونجلس معهم في الحديقة ، ولهم يوم خاص للزيارة جميعا لرؤية بعضهم بعضا ، هذه العلاقة وهذا الشعور الطيب يولد المحبة والتراحم والتواصل بين الأبناء والبنات وبين أولادهم ، ولا يوجد ما يعكر صفو حياتهم أو يجعلهم مختلفين ، الحمدلله الجميع فاهم وعارف محبته للآخر ، وكذلك زوجات الأبناء وأزواج البنات ، لهم عندى كل محبة وتقدير وهم كالأبناء ، وما زال الحب والتواصل يسود هذا التجمع الأسري.
حياتنا ممتازة وسهلة يسودها الاحترام والتقدير أيضا تفتح الديوانية كل ليلة للأولاد وأبناء العائلة والأصدقاء ، أما يوم الأربعاء فتكون الديوانية رسمية للجميع ويحضر الأصدقاء من كبار وصغرا ، والديوانية قديمة في الكويت وكانت تختص بكبار الشخصيات في الفريج أما بعد العصر أو بين صلاة المغرب والعشاء فيدور الحديث عن العمل وعن البحر وشؤون البحارة .
أما اليوم فقد اتخذت الديوانية للمظهر عند بعض الناس ، وكثرت الديوانيات والتي تعتبر برلمانا مصغرا تطرح فيه هموم ومشاكل المجتمع و(لعب الكوت) ، وأصحاب الديوانية قديما إذا تغيب أحد من رواد الديوانية يستفسرون عنه ويسألون عن سبب عدم حضوره في ذلك اليوم ويسألون عنه في المسجد أو يذهبون إلى بيته وكان الناس يتواصلون فيما بينهم .
اليوم أنقطع الحضور للديوانية والواحد يزور في الليلة الواحدة أكثر من ديوانية وليسأل عن الغائب إلا عند البعض إذا كان ملتزم الحضور .
على الشباب أن يعرفوا عن أبائهم وأجدادهم وكيف كانوا يعملون وعلى شباب هذا الجيل التواصل وزيارة الأهل والأقارب وترك الترف واللعب وعليهم أن يعرفوا أبناء الأسرة ويلتقوا مع بعضهم بعضا وان يؤدوا واجباتهم الدينية ولا يتركوا المسجد … والحذر الحذر من قيادة السيارة بسرعة وعدم تجاوز وكسر القانون والحذر من مصاحبة أصدقاء السوء والابتعاد عنهم وملازمة الصحبة الطيبة.