• بـدر بن ناصـر بورسـلي
شارك

بـدر بن ناصـر بن أحمـد بورسـلي
جريدة الشرق الأوسط ( الجمعـة 18 محـرم 1427 هـ 17 فبراير 2006 )
كتب عبدالستار ناجي:
بدر بورسلي.. تحول لمقدم برامج تلفزيونية «فشفرت» المفردة الكويتية
استطاع الشاعر الغنائي الكويتي بدر بورسلي أن يحتل موقعه البارز على خريطة الأغنية الكويتية والخليجية، في مرحلة مبكرة من الستينات وقد اقترنت قصائده بعدد مرموق من نجوم الأغنية الكويتية والخليجية على حد سواء ومنهم على سبيل المثال لا الحصر كل من عبد الكريم عبد القادر وغريد الشاطئ ومحمد عبده ومصطفى أحمد وعبد الله الرويشد ونبيل شعيل ونوال وغيرهم، وهو يؤكد دائماً، بأنه لو لم يكتب أي شيء سوى ـ وطن النهار ـ لكان ذلك يكفيه، وهي الأغنية التي شدى بها الفنان الكويتي عبد الكريم عبد القادر فور تحرير الكويت لترددها الكويت من بعده، وتطرز في ذاكرة ووجدان الأجيال، وقد استطاع بدر بورسلي، الذي ينتمي إلى عائلة عريقة، قدمت للكويت الكثير من الشعراء الكبار، ومنهم الراحل فهد بورسلي، نقول استطاع بدر أن يشرق في سماء الأغنية، وقد اقترن حضوره مع الكبار المؤسسين في الفن الخليجي، واليوم حينما تذكر الاغنية الكويتية والخليجية، يذكر بدر ـ كترسانة ـ للمفردة الشذية، فأصبحت المفردة الكويتية الشعبية سهلة عند المتذوق العربي، ابرزها «رحلتي تركتيني شماتة.. وحشي في لسان البشر».. وهي منذ انطلاقها قبل عشرين عاما واصبحت تردد الى الان باصوات عربية، وهي التي كانت اولى بوابة شهرة الفنان الكويتي عبد الله الرويشد.

ويعترف بورسلى الذي عاش بين حي المرقاب وحي القبلة، احدى احياء الكويت الشهيرة، بأن أفراد أسرته الذين لم يكونوا ليتوقعوا ان تتفجر موهبته الشعرية بهذا الشكل اللافت للانتباة. لقد كان ذلك في بواكير الستينات.

ومن معينه الذي لا ينضب، دعونا نتعرف على شيء من ابداعاته، فمن رصيده، تأتي أغنيات «اعترفلج» و«باختصار» التي تغنى بها رفيق دربه عبد الكريم عبد القادر ومسموح ومن شكالي حاله واعتب عليه ومحتاج لها وكلك نظر وحبيبي الوطن وكم آخر من الأعمال التي لا تزال ترددها الأجيال. لقد قدم مجموعة من التجارب الشعرية في الستينات ومع عدد من الكبار اعتبارا من الفنان سعود الراشد الى نجوم جيل تلك المرحلة حتى جاءت تجربته في مطلع السبعينات حينما دفع بقصيدته ـ غريب ـ الى الملحن الدكتور عبد الرب ادريس ليضع بها كل احاسيسه الجياشة ويقدمها الى الفنان عبد الكريم عبد القادر الذي بدوره وجد ضالته المنشودة لتدفع تلك الاغنية باسم بدر بورسلى الى فضاءات ابعد. ولم ينحصر دور بورسلي عن الكلمة العاطفية، بل كان حبه العميق لوطنه يشفع له بأن يترك بصمته في احتلال الكويت في 1991 حين قدم قصيدته الشهيرة «وطن النهار» مع عبد الكريم عبد القادر واستمر في ورشة عمل مع عبد الكريم لعامين متتاليين حيث قدما ايضا «حبيبي الوطن». وفي الستينات احتك مع الكبار من الشعراء والملحنين امثال الشاعر الكبير احمد العدواني والملحنين احمد باقر وسعود الراشد وعبد الرحمن البعيجان. وفي السبعينات راح يحلق مع عبد الكريم وغريد وعبده وطلال، ومن الملحنين كان هناك كل من د عبد الرب ادريس ويوسف المهنا.

ولا يمكن بأي حال من الاحوال تجاوز ـ مسموح ـ مع الراحل غريد الشاطئ انه نبع للكلمة هادر بالعطاء والتفرد. في الثمانينات جاء دور عبد الله الرويشد ونبيل شعيل ونوال وكم اخر من النجوم الشباب يومها وعلى صعيد الالحان تألق بالتعاون مع الراحل راشد الخضر. ويكفى ان نشير الى ـ رحلتي ـ مع عبد الله الرويشد وـ سكة سفر ـ مع نبيل شعيل. كل تلك الانجازت تشكلت مع الراحل راشد الخضر الذي عرف بغزارة انتاجه وكأنه رحمه الله يسابق الزمن. واليوم بعد هذا المشوار الطويل، كلما ذكر اسم عبد الكريم عبد القادر أو غريد الشاطئ أو محمد عبده أو عبد الرب ادريس أو يوسف المهنا أو غيرهم من المبدعين الكبار، كان لا بد من التوقف، وبكثير من الاحترام أمام اسم الشاعر بدر بورسلي، الذي تأتي كلماته شذية بالصور، عميقة بالمفردات، ثرية بالمعاني، مترعة بالدلالات، عبقة بشذى القيم الحقيقية للوطن والعشق والمعاناة. لقد استطاع هذا الشاعر الكبير، أن يجول بنا، في فضاءات الكلمة، يرحل إلى فضاءات، كلما بلغنا أحدها، ادهشتنا ودفعنا للتحليق إلى فضاء أبعد وأشمل، وهو لا يتردد عبر مشواره في أن يتعاون مع الأجيال، بمختلف اتجاهاتهم واحتياجاتهم. لم ينغلق على نفسه وعلى مفرداته، فكان أن شكل تعاونياته، سواء على الملحنين أو المطربين، كما شكل المضامين التي قدمها، والتي تظل دائماً مقرونة بالثراء والعمق والقيمة. ومثل ذلك النهج، كان بمثابة المدخل لأن يطرز اسمه بحروف ناصعة في ذاكرة ووجدان المستمع الخليجي والعربي على حد سواء، متجاوزا أن يكون شعره مجرد «حرفة» إلى عشق وهوى وابداع.

بدر بورسلي يبرر لـ«الشرق الأوسط» أسباب غيابه فيقول: «بأنني توقفت لفترة، وهذا لا يعني بأنني في حالة جفاء مع الشعر، أو أن الشعر جفاني، فأنا أعيش دائماً حالة شعرية، ولكن لا يوجد حالياً ما يدعونني، ويستفز قدراتي للعطاء، وهذه الحالة ليست دائمة، فقد تلقيت دعوة رائعة من الصديق الدكتور عبد الرب ادريس واحضر لتجربة جديدة، مختلفة شكلاً ومضموناً.. ولطالما خضت معه كما من التجارب التي تتطلب التأني في الكتابة والتحليل العميق في التلحين والتحليق في الأداء، وعندها تكتمل المعادلة، هكذا أفكر وهكذا أعمل».. وهكذا يكون بدر بورسلي، وبدون تلك المعطيات تجدني أفضل أن اكون بعيداً، احافظ على القيم التي تربيت عليها، احتراماً للمستمع ولتاريخي. وعن الطقوس الخاصة بالكتابة أكد بدر قائلا: «أنا اكتب في أي وقت، وفي أحيان كثيرة تأتي الفكرة في السيارة، وسرعان ما أسجلها حتى لا تذهب ادراج الرياح، خصوصاً في ظل ارتباطاتي المتعددة، كمعد ومخرج وإعلامي وشاعر ومدير لمكتب أوربت في الكويت. وعرف بورسلي في الفترة الاخيرة بتقديمه لبرنامج حواري في احدى قنوات أوربت المشفرة.

وحول اختيار المطرب، عندما تشرع بالكتابة يحدثنا قائلا: كلا، مثل هذا الأمر يحدده الملحن، إلا إذا كنت أقوم باعداد شيء مشترك يجمع الملحن والمطرب سوياً، كالتجارب والجلسات التي كنا نلتقي بها، أنا والدكتور عبد الرب ادريس والفنان عبد الكريم عبد القادر، عندها يكون الاتفاق على الفكرة ثم تتشكل المضامين وهكذا تتطور التجربة، وهي تجارب نادرة وذات قيمة خالدة.

انه بدر الانسان والشاعر الإعلامي والذي يدهشك ببساطته.. وعفويته ورصانته وأيضاً بسخاء الأحاسيس التي يطل بها، وتطل بها أغانيه الخالدة.. وهكذا هو شأن المبدعين الكبار.